التحرر من السحر الأسود .. نحو تفكيك خطاب الاستبداد
السلطة تعني القوة والنفوذ والتأثير، وتُزاوِج بين القوة المادية والقوة المعنوية للتأثير في العقول والقلوب والإدراك، وإذا كانت بعض دراسات الخطاب انطلقت من دول ديموقراطية لتدرس خداع السلطة وتلاعبها بالعقول والمشاعر والإدراك، فإن ممارسة الخداع والتلاعب والتأثير السلبي في دول الاستبداد والفساد أقوى وأشد، بل يمكن عدّه سحرا أسود، بحيث يفقد الناس قدرتهم على مواجهة الواقع الأليم، بل يجعلهم يُطبّعون إرادتهم وأفكارهم وسلوكهم مع واقع يرفضونه.
في مناخ الاستبداد والفساد ترتكز السلطة على القوة والبطش، وتستحضر منطق الحروب في تحقيق النصر وفرض الإرادات كما يقول كلاوزفيتز عن الحرب إنها “لإجبار العدو على تنفيذ مشيئتنا”[1]، والهدف هو “تجريد العدو من سلاحه… وجعل العدو بلا حول ولا قوة”[2]، وإذا كانت الهزيمة المادية للخصوم أو الأعداء تتعلق بالهزيمة العنيفة، فإن الهزيمة الكبرى تتعلق بفقدان الإرادة والقدرة على التفكير في الفعل والتأثير. إن سلطة الاستبداد في صراع دائم من أجل بقائها، لذا تُعنى بجانب النصر العنيف بالتأثير أيضا في العقول؛ حتى تجردها من الفاعلية؛ فتكون أكثر عجزا واستسلاما حتى أمام الواقع الذي لا تقبله، ولهذا يقول توين فاين دايك “إذا كان الخطاب يتحكم في العقول، والعقول تتحكم في الفعل، فمن المهم للسلطة السيطرة على الخطاب في المقام الأول”[3]، وهذه السيطرة تتطلب عملا منهجيا متراكما يتفاعل معه الناس “باعتباره نمطا طبيعيا”[4] فينسج الناس لاحقا من تلقاء أنفسهم “صورة تناسب التصور الذي أراده منتج الخطاب”[5].
في منطق الحروب يتحدث بعض منظّري دراسات الحرب عن مفهوم (مركز الثقل Center of Gravity) ويُقصد به أكثر المواطن محورية فإذا ضُرب أثّرَ في باقي عناصر القوة، ويعني أيضا أكثر المواطن محورية تحتاج حماية ودعما باستمرار، وسّع كثيرون النظر لمفهوم مركز الثقل فقد يكون أيضا في القيادة أو النظام الاقتصادي وأيضا قد يكون في الأفكار والإيديولوجيا، وحين يوظَّف خطاب السلطة في معركة استمرار البقاء والهيمنة، فإنه يحمل بداخله مراكز ثقلٍ تسهم في سحر العقول والتأثير السلبي المتراكم في النفوس لتكون داعمة أو على الأقل ساكتة عاجزة عن التفكير والفعل من أجل الإصلاح والتغيير.
ولأن التعبير عن الأفكار بأنماط متعددة من الخطاب يحمل قدرة كبيرة على المراوغة والمرونة من أجل تحقيق التأثير المنشود عبر استراتيجيات متعددة لممارسة التلاعب والخداع، فإن الاهتمام بمرتكزات خطاب هيمنة السلطة ومراكز ثقل هذا الخطاب في العقول والنفوس يعدُّ أولية لكل مهتم بتحرير العقول والقلوب والإرادات.
مرتكزات خطاب السلطة في الحديث عن نفسها:
سنحاول أن نضرب مثالا لمرتكزات أساسية في خطاب السلطة تمثل المضامين العليا أو أسس السحر السلبي على عقول الناس ونفوسهم، بحيث تُبقيهم عاجزين مهما كانوا رافضين للواقع أو آملين في التغيير، من هذه المضامين العليا ما يدور حول:
- خطاب الإرهاب والعنف، ويشمل الحاجة لتهديدٍ كبير على المجتمع، ومن ثم تبرير القوة الباطشة الغاشمة المخيفة، فيكون الخوف طريقا لمحاربة الخوف.
- خطاب التخويف من نمط فكري أو ثقافي وتحويله إلى طائفة مخيفة، يمكن أن يكون مرتبطا بتديّن أو بثقافة، لكن تنفث السلطة سحرها الأسود لشيطنة النمط، بحيث تنشر الخوف من نمط سيراه الناس في الشوارع والطرقات والأحياء بل في البيوت، فيتحول نمط اجتماعي أو ثقافي لما يشبه الطائفة المنبوذة يخاف الآخرون منه، وتزداد عزلة صاحبه أو شعوره الدائم بالتوتر من الآخرين.
- خطاب الحطّ من شأن المهتمين بالسياسة، من الساسة التقليديين أو الحركات والتيارات أو الشباب الناشط أو أي مهتم بالشأن العام والسياسة، فالسياسة في جوهرها اهتمام بإدارة مصالح الناس، لكن السياسة في سحر السلطة الأسود هي الاهتمام ببقاء السلطة ولو فسدت إدارة مصالح الناس، و(الحط) أداة منهجية تترسخ في العقول والنفوس، تحط من شأنه وأفكاره وحديثه، بل حتى شكله وأخلاقه وحياته الخاصة، المهم إسقاط هذا الموضوع المتعلق بإدارة مصالح الناس (أي السياسية) من ذهن الناس وعقولهم مقابل ترسيخ حواجز أخرى (السياسة نجاسة – مالناش دعوة بالسياسة – ربنا يولي من يصلح).
- خطاب شرعية الإنجاز أو الأمل في إنجاز، فإدارة الدولة ودولابها يحتاج بين حين وآخر إنجازا، فالخوف وحده لا يكفي، ومهما ساءت الأحوال وانتشر الفساد احتاجت السلطة إلى إنجاز يمكن ترويجه، أو أمل في إنجاز ما، ربما بعد قليل أو بعد صبر طويل.
- خطاب المؤامرات الخارجية، وهو خطاب مكمّل لخطابات الخوف من زاوية أخرى، ضد المؤامرات التي تحاك دائما ضدنا ولا تنتهي أبدا ولا تتوقف، وهي دائما ضدنا نحن فقط، ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال السلطة فقط والسكوت على كل ممارساتها مهما كانت، وهنا يوجَّه الخوف بخداع الحاجة للتماسك والوحدة، فيبقى الحال كما هو عليه.
- خطاب الإخلاص والصدق وبذل الوُسع، وهو خطاب عاطفي مهم للشعوب التي تؤثر فيها العاطفة، وتتنظر دائما رجلا مخلصا يبذل وُسعَه رغم التحديات، يمكن للناس أن تتجاوب مع الصدق وتقبل أحيانا التعثر ما دام صادقا مخلصا، لذا تحتاج السلطة توظيف خطاب الصدق والإيمان والإخلاص رغم كل التحديات والواقع، صدق قد يبرر هزيمة أو خطأ أو تجاوزا، فلنسعَ بين الحين والآخر لإبراز لمحة من صدق رأس السلطة أو الإيحاء المستمر أن هناك في دولاب السلطة مخلصين صادقين سيصححون الأوضاع يوما ما.
- خطاب التحديات، فدائما هناك تحديات جسيمة، أكبر منا جميعا، بسبب زيادة السكان والفقر أو الصراعات أو الحروب أو نقص الموارد إلخ، فتضخيم التحديات بحيث تكون فوق الممكن والمحتمل أمر مهم لنتفهم حال السلطة ونبقى صامتين على فسادها وفشل سياستها.
- خطاب ليس في الإمكان أفضل مما كان، وهو تجميل لخطاب العجز أمام تضخيم التحديات ومصاحبة الصدق والإخلاص، فهو تسهيل لعبارات الاستسلام واليأس لكن بصورة أخرى أكثر قبولا.
في فهم هذه المرتكزات وتأثير سحرها الأسود في العقول والنفوس، يجب أن نفهم أن المشاعر تؤثر بقوة في الإدراك، لذا يقول باتريك هوتون عن السياسة إنها “مشحونة بشيء من الانفعال، إمّا الإيجابي منه أو السلبي وهو ما يشير إليه العديد من علماء النفس بالأفكار الساخنة hot cognitions”[6]، ويؤدي التكرار المنهجي إلى التأثير في اللاوعي ودفع مشاعر الانفعال والمزاج إلى اتخاذ قرارات من دون تمحيص كافٍ من العقل، على سبيل المثال قد يدفع الخوف إلى تكوين “هدف قصير المدى للهرب أو الاستسلام أو الابتعاد عن الخطر، ويعطِي الخوفُ لهذا الهدف أولويةً نستشعره كأمر ملحّ”[7].
وسنلاحظ في المضامين العليا التي استعرضناها أنها تمزج بين الإيجابي والسلبي من المشاعر، الإيجابي: يتعلق بالأمل والإنجاز – والثقة والإخلاص، والسلبي: يتعلق بالخوف من ( الإرهاب والعنف – النمط الخاص – المؤامرات – التحديات) – بالكره والحط – بالعجز أو ما بيد الحيلة.
من هنا تُنتج السلطة مزيجا من المشاعر المؤثرة في الوجدان والإدراك (خلطة)، وعلى الرغم من أن المشاعر السلبية المؤثرة في الوعي واللاوعي هي الغالبة فيما تحتاجه السلطة من أجل الهيمنة -خاصة المشاعر المولَّدة من الخوف-؛ لكنها دائما بحاجة لمصاحبة قدر من الشعور الإيجابي بفعلٍ أو أمل في إنجاز (حقيقي أو متوهم).
مرتكزات خطاب السلطة في وصم الحالة الراغبة في الإصلاح والتغيير:
يمكن جمع المرتكزات الأساسية للخطاب الموجَّه لوصم الحالة الراغبة في التغيير في الآتي (مع استخدام تعبيرات عامية جرى ترسيخها بنمط منهجي):
- (لديهم أجندات خفية): تُربَط بمشاعر الخوف مع الربط بالمؤامرات ودعم غياب الثقة والإخلاص.
- (مش فاهمين): تُربّط بالحط من قدرهم وقدراتهم، والقابلية للعجز عن ممارسة السلطة.
- (مشرذمين): تُربَط أيضا بالحط من تجمعاتهم ومن ثم قدراتهم وسلوكهم.
- (لديهم نمط خاص مُهدِّد للآخرين): تُربَط بالتخويف، وتحويلهم لما يشبه طائفة مخيفة، تخاف منهم أنماط أخرى، وهم أيضا يخافون من الآخرين.
- (بتوع معارضة وبس): تُربَط بعدم القدرة على تحقيق أي إنجاز أو أي أمل حقيقي، وترسيخ صورة العجز المطلق.
- (فاشلين): تُنسج صورة راسخة لفشل الحالة المعارضة مهما كانت، على الرغم من أنها محاربة بشدة من السلطة بكل مواردها وقدراتها، يتم غض الطرف عن ذلك والتأكيد أن التعثر أو الفشل ذاتيٌّ.
- (همهم السلطة وليس مصلحة الناس والبلد): ترُبط بالحط من الاهتمام بالشأن السياسي المتعلق بإدارة مصالح الناس، ودعم الخوف منهم وعدم الثقة، وزيادة الحط من قدرهم.
- (وجودهم يُسبّب مشكلات كبرى): تُربط بالتخويف من المستقبل أو التغيير، مع التلويح المستمر بالفوضى والحروب والفلتان الأمني والجنائي، ومن ثَمَّ ضمان بقاء شريحة كبرى من الناس أسيرة للخوف من التغيير ودعوات الإصلاح وليس من واقع ممارسات السلطة نفسها.
يوظِّف خطاب السلطة إذن بعض المشاعر الإيجابية مثل (الإنجاز أو الأمل في إنجاز – الثقة والإخلاص) لتدعم المشاعر السلبية (الخوف – الحط من القدر – العجز)، فيتم عزل المهتمين بالعدالة والإصلاح والنهضة والحريات ولو ذهنيا حتى عند بعض الراغبين في التغيير، وبذلك يتم -بشكل منهجي- تثبيط العقول والإرادات، والركون إلى ممارسات السلطة كما هي -قبولا أو سكوتا أو استسلاما-، مع طول الوقت قد لا يحصل الاستبداد على رضا جميع الناس، بل يزداد شوق الناس إلى الإصلاح والتغيير؛ لكن بهذا السحر المنهجي المتراكم تُخلق حواجز نفسية وذهنية حتى عند الآملين في التغيير، فأنت تريد التغيير لكنك تؤمن بعجز الجميع أو عدم الإمكانية أو ملازمة الفشل لأي محاولة، أو يصعب على الشعب أن يتولى زمام المبادرة ويحاسب ويحكم ويراقب، وعبر هذا الحاجز يرى المتلقي المتأثر بخطاب الاستبداد -رغم كل المظالم- أن السلطة قوية، وأن تبعات أي خطاب آخر مملوءة بالخوف والقلق والعجز وعدم الإمكانية وضعف الثقة، بل وغياب الأمل، وهنا يسهل تمرير أي أمل زائف في إنجاز محتمل، أو تغيير من السلطة نفسها ربما قريبا بعد أسابيع أو شهور أو عدة سنوات.
آفاق مقترحة للخطاب التحرري:
من الإشارات السابقة يمكن أن ندرك أهمية فهم أسس سحر الاستبداد الأسود، الذي يرسم حالة متكاملة من العجز والاستسلام واليأس عبر طرق متعددة ومستمرة ومتنوعة، ومن ثَمَّ العمل على مواجهة هذه الأسس بتكرار منهجي -وليس مجرد سجال فرعي في بعض الأفكار والمضامين-، نحتاج قلبا للمنطلق الزائف المخادع باستخدام منطق حقيقي واقعي فعّال، مثل قلب منطق الخوف من إرهاب متخيل -تدفع السلطة لوجوده وتعززه بالمظالم والاحتقان ورغبات الثأر- إلى منطق الخوف من الجرائم الفعلية التي ليست بحاجة إلى تزييف وخداع بل بحاجة إلى رؤيتها بشكل منهجي وواقعي يوظِّف الخوف من الواقع المؤلم بدل المتخيل المصنوع، خوفا على سبيل المثال من تفشي الجريمة وعصابات البلطجة ومافيا سرقة الأطفال والأعضاء والتجارة بالناس، خوفا من جرائم السياسات التي تزيد معدلات حوادث الطرق والموت بأمراض نتيجة لضعف المنظومة الصحية والإهمال المتعمد، إن تفشي الجرائم يفرض على الناس إمّا السكوت وإمّا التطبيع مع الجريمة ومحاولة البحث عن سبل خاصة لحماية نفوسنا وأهلنا وأولادنا في تجمعات تَعرض أمنا أكثر وميزات أفضل من آثار سياسات النظام خارج هذه التجمعات، وغير ذلك كثير.
منطق آخر يتعلق بنجاحات المصريين الكثيرة والمتنوعة والمتعددة داخل مصر وحول العالم، فصورة المصري ليست الفشل والعجز وقلة الحيلة، والناجحون ليسوا عددا محدودا واستثناء، بل كثير ممن امتلكوا إرادة التحدي والعلم والتميز أو وجدوا فرصا للدعم والنجاح أبدعوا وما زالوا، إنه خطاب اجتماعي لكنه مؤثر بشكل كبير على الوعي والإدراك السياسي، ربما يحتاج هذا الخطاب وقتا ليترسخ ويتطور وتُرسم له صور متعددة خارج صورة السجال المعارض التقليدي.
كذلك منطق آخر يتعلق بنجاحات الدول في تحديات كثيرة، فلسنا الدولة الوحيدة على الكوكب التي تواجه تحديات، بل هناك دول كثيرة واجهت ما واجهنا أو أكثر، وحققت نجاحات متعددة في التنمية أو التخلص من الديون أو البنية التحتية وإدارة المحليات أو منظومات الصحة والتعليم والتكنولوجيا والرياضة إلخ.
منطق آخر يتعلق ببث روح التضامن بين المصريين بشكل منهجي، ومواجهة سياسات الفُرقة والهواجس والخوف، التضامن مع كل ضعيف أو مهمش أو مظلوم أو مسحوق، التضامن المادي أو المعنوي الذي يمكن أن يُبتكر له أشكالا وأصنافا متعددة وعابرة لحالة التطييف والفُرقة داخل مصر وخارجها، تضامنٌ يتجاوز السجال السياسي التقليدي ويتجاوز السلطة والنمط التقليدي للمعارضة، فشرائح المتضررين والمهمشين والمسحوقين واسعة وتزداد يوما بعد يوم ولا ظهير للناس إلا الناس.
منطق آخر في خطاب فهم مصر، فهم الناس والثروات والتاريخ والتنوع الجغرافي والثقافي، وكل ما هو كامن فينا من تنوع يمثلنا جميعا ولا يُخيفنا، خطاب التطبيع بين المركز والريف والصعيد والنوبة والعرب وسيناء ومدن الريف والساحل، تطبيع يجمع الطلاب والعلماء والباحثين والمثقفين والأهل والعائلة، ولغة الشارع والمهنيين والعلم بتناغم، ولا يعمق الفوارق بيننا.
سنلاحظ أن هذه المنطلقات المقترحة تحاول مقاومة ما تبثه السلطة من تأثير نفسي سلبي بمنطق أكثر إيجابية وإحياء للعقول والنفوس والوعي الجمعي، وهي مرتكزات عليا مقترحة لخطاب التحرر الذي يحتاج عملا منهجيا متراكما، من أجل إعادة تخصيب تربة العقول والنفوس قبل أن نطالب الناس بما لا تحتمله عقولهم ونفوسهم.
إن المهتم بمنطلقات خطاب التحرُّر عليه أن يدرك أمورا أخرى مثل:
- أن المظالم تفشت وتجاوزت كل الفئات الاجتماعية تقريبا، فلم تعد قاصرة على فئة بعينها -وإنْ عانت فئات أكثر من أخرى-، والضرر ليس قاصرا على الفقراء فقط، فالأغنياء والنخب وبعض من يعملون في دولاب الدولة -أو كانوا يعملون فيها- متضررون أيضا، فالغني المخلص مصريٌ أيضا تدفعه السلطة للفساد أو الإفساد أو البعد عن هموم الناس وهو أيضا يواجه تحديات ومشكلات وعقبات، وتسعى السلطة لتوظيفه واستخدامه، لذا كل شرائح النخبة من مستثمرين ورجال أعمال وأغنياء وفنانين منهم أيضا فئات تعاني مثل الموظفين والعمال والطلاب والفقراء وصغار المستثمرين -وإن بأشكال مختلفة-، وتسعى السلطة لأن تفصل معاناة بعضنا عن الآخرين وعن عموم المصريين، رغم أن معاناة الجميع نابعة من الفساد وسوء الإدارة وتضارب المصالح إلخ.
- الاحتياج لخطاب متجدد ومبتكر لرفض الخذلان ولو بالقلب والمشاعر، والعجز لا يبرر عدم الرفض والإنكار النفسي ومحاولة النسيان، فخذلان السلطة للناس والكرامة والعدالة لا يجب أن يُنسى، والتركيز على رسالة أن المظالم لا تُنسى.
- نحتاج خطاب البطولات المجتمعية والفردية والتاريخية، وهو خطاب يُعلي من قيمة المصري وتاريخه، ويخلق خيال البطولات والمبادرات والمقاومة والتغيير رغم الصعوبات.
- دعم الشباب والأجيال الجديدة ليس ترفا، خطاب يواجه الفجوة الجيلية، فالجيل الجديد ليس تافها، ولا (راكب دماغه)، ولا خارج عن التقاليد والعادات، الجيل الجديد هو امتداد لنا ندعمه وسيحقق لنا حتما ما لم نحققه، فالزمن في صالح التحرر، وهي نقطة مهمة تواجه الخوف من المستقبل الذي تُصوره السلطة على أنه مجهول دائما، مخيف دائما.
- الخطأ أمر طبيعي وكلنا خطاء، لكن المخلصين هم التوابون، والدول التي تقدمت هي التي تعلمت من أخطائها ولم تستسلم لها.
- كل ما سبق لا يعني غياب خطابات التغيير الصريحة وفضح السياسات الخاطئة والفاسدة، بشكل واضح وصريح ومباشر.
ختاما:
تهتم السلطة بالخطاب اهتماما كبيرا، وترتكز على مرتكزات أساسية ثقيلة لترسيخ الهيمنة والاستسلام والشعور بالعجز، وتجعل هذه المرتكزات مشحونةً دائما بالمشاعر السلبية مع بعض المشاعر الإيجابية الزائفة، وكل ذلك لا يؤثر في العقول فقط؛ بل في النفوس والمشاعر والإدراك والمزاج، ويدفع الناس -حتى الراغبين منهم في التغيير والإصلاح- إلى اتخاذ مواقف سلبية نتيجة لما استقر في عقولهم ونفوسهم، مما يجعل السلطة تحصد دعما ورضا، أو على الأقل سكوتا واستسلاما يدعم بقاءها.
إن التفكير في توليد خطاباتٍ تُحرِّر العقول والنفوس، يحتاج عملا منهجيا، وتقييما موضوعيا، ويحتاج فهما واعيا للمرتكزات السلبية لخطاب الاستبداد، وبناءً منهجيا وعمليا متعدد الأشكال والأنماط يسهم في تحرير العقول والنفوس؛ مما يؤذن بتحرير الإرادات وتطور الممارسات، وعسى أن تكون هذه الورقة مفيدة للمهتمين.
التحرر من السحر الأسود .. نحو تفكيك خطاب الاستبداد
[1] عن الحرب، كارل كلاوزفيتز.
[2] المصدر السابق.
[3] الخطاب والسلطة، توين فان دايك.
[4] اللغة والسلطة، نورمان فيركلف.
[5] السيسي الذي وجه، ياسر فتحي، بحث منشور من قبل المعهد المصري للدراسات.
[6] علم النفس السياسي، دايفد باتريك هوتون.
[7] المصدر السابق.