منظمة مجموعات التحفيز

الحوكمة في منظمات المجتمع المدني: ضمان الفعالية والمساءلة

مقالات اخرى

بقلم أ. د. سمير عبد العزيز الوسيمي

مقدمة
تلعب الحوكمة في منظمات المجتمع المدني دورًا محوريًا في تشكيل فعاليتها وتأثيرها على المجتمع. غالبًا ما تعمل هذه المنظمات، بدءًا من المنظمات غير الربحية ومجموعات المناصرة والدعم والتأييد إلى المبادرات المجتمعية، بمهمة معالجة القضايا الاجتماعية أو البيئية أو الإنسانية الحرجة. إن الحوكمة الرشيدة في منظمات المجتمع المدني أمر ضروري لتحقيق أهدافها، والحفاظ على ثقة الجمهور، وضمان الشفافية والمساءلة.

يستكشف هذا المقال فوائد الحوكمة الرشيدة في منظمات المجتمع المدني، مع التركيز على أهمية الطمأنينة كركيزة أساسية لهذه الحوكمة. كما أنه يميز بين الحوكمة الجيدة والسيئة ويحدد المبادئ الأساسية التي تقوم عليها هذه الحوكمة في منظمات المجتمع المدني.

 

وهناك عدة تعريفات للحوكمة، إلا أنه يمكننا تعريفها باعتبارها نظام يتم بموجبه إخضاع نشاط المؤسسات إلى مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف المؤسسة وضبط العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما عرفتها الأوساط العلمية على أنها الحكم الرشيد الذي يتم تطبيقه عبر حزمة من القوانين والقواعد التي تؤدي إلى الشفافية وتطبيق القانون.


فالحوكمة هي مجموعة من القواعد والقوانين والمعايير والمبادئ التي تجري بموجبها إدارة المنظمات والرقابة عليها، ويقع على عاتقها مسؤولية تنظيم العلاقة بين جميع الأطراف في المؤسسة وأصحاب المصالح وتساعد القائمين تحديد توجه وأداء المنظمة ويمكن من خلالها حماية المصالح. فهي تعتني بعمليات رصد التوقعات، ومنح السلطة، وضبط نظم الرقابة والتدقيق والمراجعة.

 

فوائد الحوكمة الرشيدة في منظمات المجتمع المدني
تعزيز الفعالية: ممارسات الحوكمة الرشيدة تمكن منظمات المجتمع المدني من العمل بشكل أكثر كفاءة وفعالية. تضمن عمليات اتخاذ القرار الواضحة والأدوار والمسؤوليات المحددة جيدًا والتخطيط الاستراتيجي قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها وغاياتها.

 

زيادة المساءلة: تعمل آليات الحوكمة الرشيدة على تعزيز الشفافية والمساءلة داخل منظمات المجتمع المدني. ويشمل ذلك الشفافية المالية، والتواصل المفتوح، وآليات إعداد التقارير التي تضمن قدرة أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجهات المانحة والجمهور، على تتبع أنشطة المنظمة ونتائجها.

 

الثقة والمصداقية: تعتمد منظمات المجتمع المدني بشكل كبير على الثقة والمصداقية. تعمل الحوكمة الرشيدة على تعزيز الثقة بين أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجهات المانحة والمستفيدين والمتطوعين، وهو أمر بالغ الأهمية لجذب الموارد والدعم.

 

الاستدامة: تساعد ممارسات الحوكمة الفعالة منظمات المجتمع المدني على التخطيط على المدى الطويل، مما يضمن استدامتها. وهذا يشمل التخطيط المالي، والتخطيط لتداول السلطة بداخلها، واستراتيجيات إدارة المخاطر.

 

القدرة على التكيف: تسمح هياكل الحوكمة الرشيدة لمنظمات المجتمع المدني بالتكيف مع الظروف المتغيرة والتحديات الناشئة. هذه المرونة ضرورية للمؤسسات التي تعمل في بيئات ديناميكية.

 

الطمأنينة ركيزة من ركائز الحوكمة
تعتبر الطمأنينة جانباً أساسياً من جوانب الحوكمة في المؤسسات، وخاصة في منظمات المجتمع المدني. وهي تنطوي على إجراءات وممارسات توفر لأصحاب المصلحة الثقة في عمليات المنظمة وعمليات صنع القرار. تشتمل الطمأنينة على عدة عناصر أساسية:

 

الشفافية: تتضمن الشفافية جعل المعلومات حول عمليات منظمات المجتمع المدني وأموالها وعمليات صنع القرار متاحة بسهولة لأصحاب المصلحة. يتيح هذا الانفتاح لأصحاب المصلحة فهم كيفية عمل المنظمة وكيفية استخدامها للموارد.

 

المساءلة: المساءلة هي مسؤولية منظمات المجتمع المدني تجاه أصحاب المصلحة. وتشمل المساءلة المالية، حيث يُتوقع من المنظمة إدارة الأموال بشكل فعال والإبلاغ عن استخدامها. كما أنها تشمل المساءلة البرنامجية، حيث تكون منظمات المجتمع المدني مسؤولة عن تأثير ونتائج مبادراتها.

 

السلوك الأخلاقي: يجب على منظمات المجتمع المدني الالتزام بالمعايير الأخلاقية في جميع أنشطتها. ويشمل ذلك الحفاظ على معايير عالية من النزاهة، وتجنب تضارب المصالح، والتأكد من أن تصرفات المنظمة تتماشى مع مهمتها وقيمها.

 

إشراك أصحاب المصلحة: يعد إشراك أصحاب المصلحة، بما في ذلك المستفيدين والمانحين والمتطوعين والمجتمع، أمرًا ضروريًا للطمأنينة. وينبغي لمنظمات المجتمع المدني أن تسعى إلى الحصول على مدخلات من أصحاب المصلحة وإشراكهم في عمليات صنع القرار عندما يكون ذلك مناسبا.

 

التمييز بين الحوكمة الجيدة والحوكمة السيئة
يمكن أن يكون للحوكمة الرشيدة (الجيدة) والحوكمة السيئة في منظمات المجتمع المدني اختلافات صارخة تؤثر بشكل عميق على نجاح المنظمة وسمعتها. فيما يلي بعض الفروق الرئيسية:

 

الشفافية والمساءلة: تُعطي الحوكمة الرشيدة الأولوية للشفافية والمساءلة، في حين أن الحوكمة السيئة غالباً ما تنطوي على الغموض والافتقار إلى المساءلة.

 

عمليات صنع القرار: تضمن الحوكمة الرشيدة اتخاذ قرارات شاملة وتشاركية، في حين أن الحوكمة السيئة قد تنطوي على اتخاذ قرارات استبدادية من أعلى إلى أسفل.

 

الإدارة المالية: الحوكمة الرشيدة تمارس الإدارة المالية الحكيمة، في حين أن الحوكمة السيئة قد تنطوي على سوء الإدارة المالية أو الاختلاس.

 

المعايير الأخلاقية: تلتزم الحوكمة الجيدة بمعايير أخلاقية عالية، في حين أن الحوكمة السيئة قد تنطوي على سلوك غير أخلاقي، مثل الاحتيال أو الفساد أو إعلاء المنفعة الخاصة على حساب العامة أو الاستبداد ..إلخ.

 

إشراك أصحاب المصلحة: تعمل الحوكمة الجيدة على إشراك أصحاب المصلحة بشكل فعال، في حين أن الحوكمة السيئة قد تستبعد أصوات أصحاب المصلحة أو تتجاهلها.

 

مبادئ الحوكمة في منظمات المجتمع المدني
لتحقيق الحوكمة الرشيدة، يجب على منظمات المجتمع المدني الالتزام بعدة مبادئ أساسية:


1. المساءلة: يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني مسؤولة عن أفعالها وقراراتها واستخدامها للموارد، أمام أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين.


2. الشفافية: يجب على منظمات المجتمع المدني توفير معلومات واضحة ويمكن الوصول إليها حول عملياتها وشؤونها المالية وعمليات صنع القرار.


3. المشاركة: ينبغي أن تتاح لأصحاب المصلحة فرص المشاركة في أنشطة منظمات المجتمع المدني وعمليات صنع القرار.


4. الشمولية: ينبغي لمنظمات المجتمع المدني أن تكون شاملة في نهجها، مع احترام التنوع وضمان عدم استبعاد المهمشين.


5. الفعالية والكفاءة: يجب أن تهدف ممارسات الحوكمة إلى جعل المنظمة أكثر فعالية وكفاءة في تحقيق مهمتها.


6. السلوك الأخلاقي: يجب على منظمات المجتمع المدني الحفاظ على أعلى المعايير الأخلاقية في جميع تصرفاتها وتفاعلاتها.


7. الالتزام بالقانون: على منظمات المجتمع المدني أن تلتزم بالقانون وأن تبني نظم حوكمة رشيدة لا تتعارض مع القانون حتى في نضالها لتحقيق أهدافها فيجب أن يكون ذلك في إطار القانون.


8. الرؤية الاستراتيجية: يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني وفق نظم التخصص والاحتراف، وأن يكون لديها رؤية استراتيجية واضحة وواقعية وليست شكلية صياغاتية لا واقع لها، وأن تُعلي من قيمة التوجه الاستراتيجي بدءاً من التفكير الاستراتيجي مروراً بالتخطيط الاستراتيجي وصولاً إلى الإدارة الاستراتيجية الفاعلة والفعالة لتحقي التأثير الإيجابي المنشود من تلك المنظمات في مجتمعاتها، ولتحقيق التوقعات من نشأتها في الأساس.


9. الرقابة: يجب أن تضع منظمات المجتمع المدني نظام حوكمة رشيد يقوم على إعلام مبدأ الرقابة والتدقيق والمراجعة وفق أطر احترافية وعبر آليات ومؤسسات متخصصة ونزيهة، وذلك لمواجهة سوء الإدارة والفساد والاستبداد وغيرهم.


10. تداول السلطة: يجب أن تضمن الحوكمة الرشيدة في منظمات المجتمع المدني آليات منح السلطة وتنظيم صلاحيات مجلس الإدارة والمجالس التنفيذية، والتصدي لمفاهيم تضارب المصالح والجور على حقوق أصحاب المصلحة، والعمل الجاد الفاعل لتمكين التداول السلمي الداخلي للسلطة ووضوح الصلاحيات جميعاً وعدم الجور على حقوق أصحاب المصالح والمساواة فيما بينهم جميعاً، وبث الطمأنينة في عمل المنظمة أمام المجتمع الذي تعمل بداخله ومن أجل مصالحه.

 

خاتمة
إن الحوكمة هي العمود الفقري لمنظمات المجتمع المدني، فهي تشكل فعاليتها ومساءلتها وتأثيرها. إن ممارسات الحوكمة الرشيدة لا تفيد المنظمات نفسها فحسب، بل تفيد أيضًا المجتمعات والقضايا التي تخدمها. تعد الطمأنينة، من خلال الشفافية والمساءلة والسلوك الأخلاقي وإشراك أصحاب المصلحة، ركيزة حيوية للحوكمة في منظمات المجتمع المدني. ومن خلال التمييز بين الحوكمة الجيدة والسيئة والالتزام بمبادئ الحوكمة الأساسية، تستطيع منظمات المجتمع المدني تعظيم مساهماتها الإيجابية في المجتمع، والحفاظ على الثقة، وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل.

 

بعض المراجع:
1. كيير، آن ميت. (2004). الحوكمة. الصحافة السياسية.
2. ستوكر، جيري. (1998). الحوكمة كنظرية: خمسة مقترحات. المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، 50(155)، 17-28.
3. البنك الدولي. (2008). الحوكمة والتنمية. https://www.worldbank.org/en/topic/governance
4. يونج، دينيس ر. (2002). الحوكمة الفعالة للمنظمات الصغيرة. مؤسسة أمهيرست هـ. وايلدر.

5. عزام، المومني، يوسف (2021). الحوكمة الشاملة في عمل منظمات المجتمع المدني، منظمة محامون بلا حدود “مرصد الفضاء المدني وحقوق الإنسان”. الأردن

الوسوم :
شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *