الوساطة السياسية ودورها في حل الأزمات الداخلية: مصر نموذجاً
بقلم د. سمير عبد العزيز الوسيمي
تلعب الوساطة السياسية دورًا حيويًا في حل الأزمات الداخلية التي تعصف بالدول، حيث تُعد وسيلة سلمية لتسوية النزاعات وتقليل التوترات. فالوساطة السياسية تُسهم في بناء جسور التواصل بين الأطراف المختلفة، مما يؤدي إلى تحقيق التفاهم وإيجاد حلول وسطى تُرضي جميع الأطراف. وأستطيع القول هنا إن الوساطة السياسية تعتمد على الحوار كوسيلة رئيسية، مما يجعلها أداة أساسية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
ومن واقع بعض التعريفات المتوفرة في العديد من الأدبيات السياسية والاجتماعية، نستطيع تعريف الأزمات السياسية الداخلية على أنها نزاعات تنشأ داخل الدولة بين الأطراف السياسية أو الاجتماعية المختلفة نتيجة اختلافات أيديولوجية أو مصالح متعارضة. تؤدي هذه الأزمات إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية، مما قد يؤدي إلى تعطيل مؤسسات الدولة وتراجع الاقتصاد، بل وربما إلى انهيار النظام بأكمله.
وبالنظر في الحالة المصرية على سبيل المثال، فيمكننا ملاحظة أنه ومنذ إسقاط الرئيس محمد مرسي في عام 2013، شهدت مصر أزمة سياسية عميقة تجذرت في الإقصاء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين والعديد من الشخصيات والمؤسسات السياسية الاعتبارية الفاعلة وبخاصة ممن شاركوا في ثورة 25 يناير 2011م ضد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ونظامه. ونرى بوضوح أن هذه الأزمة تمثلت في اعتقال قيادات الجماعة وكوادرها، بالإضافة إلى قيادات وفاعلين من ثورة يناير 2011؛ بل توسعت إلى شرائح واسعة من المصريين حتى لو كانوا غير ناشطين أو سياسيين، كما تم فرض قيود صارمة على المعارضين بالخارج، بما في ذلك إيقاف إصدار جوازات السفر وبطاقات الرقم القومي واستخراج شهادات الميلاد، ومنع العودة إلى مصر، والملاحقات الدائمة عبر الإدراج في قوائم الإنتربول العالمية وغيرها من القوائم الإقليمية.
تسببت هذه السياسات في تفاقم الانقسام السياسي والاجتماعي داخل البلاد، حيث باتت شريحة كبيرة من المواطنين تشعر بالإقصاء والظلم، مما أثر على استقرار الدولة وأسهم في تراجع الثقة في المؤسسات الرسمية، مما سلط الضوء بقوة على أهمية التسوية العادلة في مصر، التي يمكنها أن تُعيد الحقوق وتحسن الأوضاع الداخلية.
وأود هنا التأكيد والإشارة إلى أن وجود تسوية شاملة يُمكن أن يُسهم في:
- استعادة الثقة بين الأطراف السياسية: حيث يؤدي الحوار البناء إلى تعزيز الثقة، مما يُسهم في تقليل التوترات.
- تحقيق الاستقرار الاجتماعي: يُمكن أن تُسهم التسوية في تقليل الاحتقان المجتمعي وإعادة اللحمة الوطنية.
- تحسين الإنتاجية والتنمية: يؤدي الاستقرار السياسي والاجتماعي إلى توفير بيئة مناسبة للنمو الاقتصادي وزيادة الإنتاجية.
- تعزيز الصورة الدولية لمصر: تُظهر التسوية السياسية التزام مصر بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يُحسن العلاقات الدولية ويُشجع الاستثمار الأجنبي.
وفي هذا السياق نجد أن هناك العديد من التجارب الدولية التي نجحت فيها الوساطة السياسية في حل الأزمات الداخلية، منها:
- جنوب إفريقيا: لعب نيلسون مانديلا دورًا محوريًا في تحقيق المصالحة الوطنية بعد نهاية نظام الفصل العنصري، حيث اعتمدت هذه التجربة على الحوار المفتوح والتسامح بين الأطراف المختلفة.
- كولومبيا: توصلت الحكومة الكولومبية وحركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) إلى اتفاق سلام تاريخي بفضل الوساطة الدولية والإرادة السياسية.
- لبنان: تم التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بفضل جهود الوساطة الإقليمية والدولية.
وهنا يتجلى دور الآليات التي من شأنها العمل على تحقيق وساطة سياسية ناجحة في مصر أو غيرها، ومن الممكن الاعتماد على الآليات التالية:
- الحوار الشامل: إشراك جميع الأطراف السياسية والاجتماعية دون استثناء.
- الوساطة الدولية والإقليمية: الاستفادة من خبرات الدول والمنظمات الدولية لتسهيل الحوار.
- الضمانات: توفير ضمانات قانونية وسياسية لجميع الأطراف للالتزام بنتائج الحوار.
- إجراءات بناء الثقة: مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع القيود عن المعارضين.
- إشراك المجتمع المدني: تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في دعم الحوار وبناء الجسور بين الأطراف.
وأخيرا أود الإشارة إلى أن الوساطة السياسية تُعد أداة فعالة لحل الأزمات الداخلية وتحقيق الاستقرار، لكنها ليست خيارا سهلا، حيث يصل كثيرون إلى هذا الخيار بعد صراعات وتوترات ونزاعات وخسائر كبرى. وفي الحالة المصرية يُمكن أن تُسهم الوساطة في تجاوز الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ 2013، وتوقف نزيف التوترات والغضب والخسائر الوطنية الكبرى، من خلال تبني نهج شامل وعادل، حيث يمكن لمصر أن تحقق تسوية تُعيد اللحمة الوطنية وتُحسن أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، مما يضعها على طريق التنمية المستدامة والاستقرار وتحقيق الأمن الاجتماعي.
الوساطة السياسية ودورها في حل الأزمات الداخلية: مصر نموذجاً