منظمة مجموعات التحفيز

بعد التعديلات الدستورية الأخيرة: هل يكون البرهان سوار الذهب الجديد أم كاغامي السودان؟

مقالات اخرى

بعد التعديلات الدستورية الأخيرة: هل يكون البرهان سوار الذهب الجديد أم كاغامي السودان؟

بعد التعديلات الدستورية الأخيرة: هل يكون البرهان سوار الذهب الجديد أم كاغامي السودان؟

 

تمثل التعديلات الدستورية في السودان مفترق طرق حاسم في تاريخ البلاد. بين مؤيد يرى فيها ضرورة لتحقيق الأمن والاستقرار، ومعارض يخشى من تكريس الحكم العسكري، يبقى مستقبل السودان معتمدًا على قدرة قيادته على تحقيق توازن دقيق بين فرض النظام واحترام الديمقراطية. فهل سيكون البرهان سوار الذهب الجديد، أم كاغامي السودان؟

 

 

 

في 24 فبراير 2025، أقرّت الحكومة السودانية تعديلات دستورية منحت رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، صلاحيات موسّعة. أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعًا بين من يرونها تعزيزًا للسلطة العسكرية ومن يعتبرونها ضرورة لتحقيق الاستقرار في بلد يعاني من أزمات متلاحقة.

وبينما يتساءل البعض إن كان البرهان يسير على خطى المشير سوار الذهب، الذي سلم السلطة طوعًا للحكم المدني، يخشى آخرون أن يتبنى نهجًا أقرب إلى الرئيس الرواندي بول كاغامي، الذي حقق استقرارًا اقتصاديًا لكنه رسّخ حكمًا سلطويًا في بلاده.

 

 

 من سقوط البشير إلى التعديلات الدستورية

لم يكن هذا التعديل الدستوري نتاج حدث عابر إنما نتاج حالة سياسية أخفقت في تحقيق أي إنجاز يُذكر في صالح السودان وشعبه منذ إسقاط البشر، ففي ديسمبر 2018، اندلعت احتجاجات شعبية واسعة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل 2019 بعد حكم دام ثلاثة عقود. تولى المجلس العسكري الانتقالي السلطة، ودخل في مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، التي قادت الحراك الشعبي، لتشكيل حكومة انتقالية بعد ذلك.

 

وفي أغسطس 2019، تم التوصل إلى اتفاق سياسي نصّ على تشكيل مجلس سيادة مشترك بين العسكريين والمدنيين، وتعيين عبد الله حمدوك رئيسًا للوزراء قبل أن يواجه صعوبات سياسية أدت إلى عزله لفترة قصيرة ثم استقالته نهائيًا في يناير 2022. فقد شهدت الفترة الانتقالية توترات بين المكونين العسكري والمدني، تفاقمت في أكتوبر 2021 عندما أعلن البرهان حلّ الحكومة المدنية وإعلان حالة الطوارئ، مما أعاد البلاد إلى مربع عدم الاستقرار.

 

وفي أبريل 2023، اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان،  وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث تحولت الخلافات السياسية إلى صراع دموي أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وانهيار الخدمات الأساسية، مما جعل السودان أمام تحدٍ وجودي غير مسبوق.

 

 

 تعزيز للسلطة أم ضرورة أمنية؟

تمنح التعديلات الدستورية الأخيرة الفريق البرهان صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة، بما في ذلك تعيين وإقالة الوزراء، وإصدار مراسيم لها قوة القانون، وإدارة الشؤون الأمنية والعسكرية دون الرجوع إلى المكونات المدنية. يرى المؤيدون أن هذه الخطوة ضرورية لتمكين القيادة العسكرية من اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

 

في ظل انتشار الجماعات المسلحة وتفاقم الأزمات الإنسانية، يعتبر البعض أن وجود قيادة مركزية قوية قادر على فرض النظام والاستقرار هو أمر حتمي. يستند هذا الرأي إلى أن الأوضاع الراهنة تتطلب قرارات سريعة وحاسمة لا تحتمل التأخير الناتج عن الخلافات السياسية بين المكونات المدنية والعسكرية.

 

 

المشير سوار الذهب: القائد الحاضر الغائب

وعند الحديث عن التعديلات الدستورية الأخيرة والخوف لدى البعض مما قد يكرس لحكم عسكري، لا يمكنك ألا تستدعي القائد العسكري ذو التاريخ الأبيض على السودان وشعبه، وهو المشير عبد الرحمن سوار الذهب أحد أبرز الشخصيات العسكرية في تاريخ السودان، حيث تولى الحكم في عام 1985 بعد انقلاب عسكري أطاح بجعفر نميري.

 

لكن وعلى عكس معظم القادة العسكريين، التزم بوعده بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد عام واحد فقط، وهو ما جعله نموذجًا نادرًا للعسكريين الذين اختاروا الديمقراطية على الحكم المطلق. ويعتبره الكثيرون مثالاً للالتزام الوطني، ويرون أن البرهان إذا أراد أن يسجل اسمه في التاريخ إيجابيًا، فعليه أن يسير على خطاه.

 

 

 مخاوف من الاستبداد العسكري: رواندا كنموذج تحذيري

على الجانب الآخر، يخشى المعارضون أن تؤدي هذه التعديلات إلى تكريس الحكم العسكري وإقصاء المكونات المدنية، مما قد يمهد الطريق لعودة الاستبداد. يستند هذا التخوف إلى تجارب سابقة في السودان ودول أخرى، حيث أدى توسع صلاحيات الجيش إلى تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

يبرز هنا نموذج بول كاغامي في رواندا، الذي صعد إلى السلطة بعد الإبادة الجماعية عام 1994، حيث قاد الجبهة الوطنية الرواندية إلى إنهاء الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار. نجح كاغامي في تحويل رواندا إلى واحدة من أكثر الدول استقرارًا اقتصاديًا في إفريقيا، حيث شهدت البلاد نهضة اقتصادية كبيرة، تضمنت تحسين البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن هذا النجاح الاقتصادي جاء على حساب الحريات السياسية، حيث قام بتعديل الدستور في 2015 ليسمح له بالبقاء في الحكم حتى 2034، مما قوض فرص الانتقال الديمقراطي، الذي حول البلاد إلى نموذج اقتصادي ناجح لكنه عزز سلطته السياسية عبر تعديل الدستور وقمع المعارضة.

 

وفي السياق ذاته، شهدت العديد من الدول الإفريقية والعربية تجارب مشابهة للحالة السودانية، حيث تداخل الحكم العسكري مع الطموحات الديمقراطية بدرجات متفاوتة. ففي غانا، قاد جيري رولينغز انقلابين عسكريين، لكنه تحول لاحقًا إلى زعيم ديمقراطي، حيث أجرى انتخابات سلمية وسلم السلطة لحكومة مدنية بعد بناء نظام سياسي قوي. أما في زيمبابوي، فقد وصل إيمرسون منانغاغوا إلى السلطة بعد الإطاحة بروبرت موغابي، لكنه استمر في اتباع سياسات استبدادية رغم وعوده بالإصلاح. وفي مصر، تولى عبد الفتاح السيسي الحكم بعد أزمة سياسية وأمنية، ووسع صلاحياته عبر تعديلات دستورية، ما جعله نموذجًا للقيادات العسكرية التي تعزز نفوذها السياسي، مع فرض رقابة صارمة على المشهد السياسي والإعلامي.

 

في ظل هذه المقارنة، يواجه السودان تساؤلات كبرى حول إمكانية تحقيق الاستقرار دون أن يصبح نظام الحكم أكثر استبدادًا، وما إذا كان البرهان سيسلك طريق التنمية الاقتصادية مع فرض سيطرة سياسية صارمة مثل كاغامي، أم أنه سيسعى لإيجاد نموذج أكثر توازنًا بين الاستقرار والديمقراطية.، حيث يتم تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية والحريات السياسية.

 

خاتمة: البرهان بين سوار الذهب وكاغامي: أي طريق يسلك؟

لا يمكن إنكار أن للجيش السوداني قاعدة شعبية واسعة، خاصة في ظل دوره التاريخي في الحفاظ على وحدة البلاد وأمنها. يرى قطاع من الشعب أن الجيش هو المؤسسة الأكثر استقرارًا وقدرة على إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الحرجة. هذا الدعم الشعبي يمنح البرهان وحكومته شرعية تنفيذية، لكنه يضع على عاتقهم مسؤولية كبيرة لتحقيق تطلعات الشعب في الأمن والاستقرار.

 

يبقى السؤال المحوري: هل يمكن للتعديلات الدستورية أن تحقق الاستقرار المنشود دون التضحية بالديمقراطية؟ التجارب السابقة تشير إلى أن الحكم العسكري المطلق قد يحقق استقرارًا مؤقتًا، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى تفجر الأزمات على المدى الطويل.

 

لذلك، قد يكون الحل الأمثل هو تبني نهج يوازن بين الحاجة إلى قيادة قوية قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، وبين ضرورة إشراك المكونات المدنية في العملية السياسية. هذا النهج يتطلب بناء جسور الثقة بين الجيش والقوى السياسية، وتحديد خارطة طريق واضحة لانتقال السلطة إلى المدنيين بعد تحقيق الاستقرار.

 

بعد التعديلات الدستورية الأخيرة: هل يكون البرهان سوار الذهب الجديد أم كاغامي السودان؟

 

 

 

الوسوم :
شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *