حصاد العام 2024: مزيج من التغيير والتحولات
مع انقضاء عام 2024، يقف العالم، وبخاصة الشرق الأوسط عند مفترق طرق حاسم بعد أن شهد تحولات جذرية في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. تراوحت هذه التحولات بين الانتخابات الحاسمة التي غيرت موازين القوى العالمية، والحروب التي أعادت رسم الخرائط الجيوسياسية، إلى التطورات التكنولوجية المتسارعة التي دفعت الدول إلى إعادة التفكير في أنظمتها الحاكمة.
تحولات المشهد الدولي
كان عام 2024 ساحة للتغيير السياسي الجذري في دول كبرى. ففي الولايات المتحدة، فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر، بحصوله على 48.6% من الأصوات، متفوقًا على منافسه الديمقراطي بفارق 2%. وقد أدى هذا الفوز إلى إعادة توجيه السياسات الخارجية الأمريكية، بما في ذلك تقليص المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
أما في بريطانيا، فقد شهدت الانتخابات البرلمانية المبكرة في مايو صعود حزب العمال إلى الحكم بعد 14 عامًا من سيطرة حزب المحافظين، حيث حصل العمال على 320 مقعدًا من أصل 650، ما دفع إلى تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية.
في كوريا الجنوبية، أُجريت انتخابات طارئة في أبريل بعد عزل الرئيس يون سوك يول في مارس بسبب فضائح فساد، حيث فاز لي جون سوك برئاسة الجمهورية بنسبة 52.3% من الأصوات.
في أوروبا، شهدت الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة التي حصلت على 25% من المقاعد، مما أثار نقاشات حول مستقبل الاتحاد الأوروبي وسياسات الهجرة والأمن.
في الهند، جرت انتخابات أبريل التي أدت إلى احتفاظ حزب بهاراتيا جاناتا بالسلطة بحصوله على 280 مقعدًا في البرلمان، مع خسارته للأغلبية المطلقة التي امتلكها سابقًا.
على صعيد النزاعات، استمرت الحرب الروسية الأوكرانية في استنزاف الأطراف المتصارعة، وسط وعود أمريكية متضاربة بشأن إنهاء النزاع. وفي الشرق الأوسط، تواصلت الهجمات الإسرائيلية على غزة، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا، ولا زالت الحملة الأمنية القمعية تتم على أهل غزة بالتوازي مع فشل الجهود الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق النار وتسوية سياسية للأمر.
في الجوار، امتدت الاضطرابات إلى لبنان وسوريا، حيث شهدت الأخيرة تغييراً سياسياً مفاجئاً بسقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة مؤقتة بقيادة أحمد الشرع الذي قاد عملية تحرير سوريا من نظام الأسد، لتبدأ مرحلة جديدة سرعان ما تجاوب معها العالم إقليميا ودوليا ولا زالت آثارها تطفو على مسرح السياسة في الشرق الأوسط.
على الصعيد الاقتصادي، شهدت الأسواق تقلبات حادة، حيث انخفضت أسعار النفط بنسبة 15% في الربع الأول من العام قبل أن تعود للارتفاع بنهاية ديسمبر. في الوقت نفسه، استمر التضخم في العديد من الدول، حيث بلغت نسبته 6.5% في الولايات المتحدة و8.3% في منطقة اليورو، مما دفع البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر.
اجتماعيًا، أظهرت الإحصاءات أن البطالة العالمية انخفضت إلى 5.8% مع خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة، مما ساعد على التخفيف من آثار الركود الاقتصادي الذي بدأ في العام السابق.
وقد برزت الولايات المتحدة وألمانيا وكوريا الجنوبية بين الدول التي استطاعت خلق فرص عمل جديدة، مستفيدة من استثماراتها في التكنولوجيا النظيفة والابتكارات البيئية. في المقابل، لا تزال العديد من الدول النامية مثل مصر ونيجيريا تواجه تحديات في تحقيق هذا النوع من النمو، حيث تتطلب هذه المجالات استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتعليم التكنولوجي، وهو ما يضع ضغوطًا إضافية على اقتصاداتها.
إفريقيا: تنافس القوى وصراعات النفوذ
برزت إفريقيا كمنطقة تنافس شديدة بين القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والصين. فقد حاولت الإدارة الأمريكية تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال مشاريع بنية تحتية، لكنها واجهت تحديات في ظل النفوذ الصيني المتزايد، الذي ركز على الاستثمارات طويلة الأمد، وخاصة في قطاع التكنولوجيا والمعادن الحيوية.
سياسياً، كانت انتخابات السنغال وبوتسوانا مؤشراً على استمرار الأمل في الديمقراطية رغم التحديات. فقد شهدت السنغال انتقالاً سلمياً للسلطة بفوز الرئيس باسيرو ديمواي فاي بالانتخابات ليخرج من السجن حاكما للدولة، بينما أطاحت الانتخابات في بوتسوانا بحزب ظل في الحكم لعقود، مما أعطى دفعة جديدة للتطلعات الديمقراطية في القارة.
في المقابل، واجهت السودان أزمة إنسانية خانقة بسبب الحرب الأهلية والمجاعة، ما أدى إلى نزوح ملايين الأشخاص، في ظل ضعف الاستجابة الدولية.
مصر: في بؤرة الأحداث
في ظل هذه المتغيرات، وبخاصة التغير الكبير المفاجئ في سوريا، كان رد الفعل الرسمي المصري هو حشد وسائل الإعلام لتغطية فعاليات لإظهار قوة وتماسك الجيش وإرسال رسائل مباشرة هذه المرة إلى أن مصر لا ينبغي أن تسقط في ظل التهاوي الذي أصاب دولا مجاورة.
في ذات السياق، هناك محاولات من ناحية السلطة لتروج حالة غير حقيقية من “حرية” لكن بشروط النظام وبطرقه التي يقررها، فرأينا خلال الأيام الأخيرة أنباءًا عن تشكيل حزب سياسي يضم وزراء ومحافظين وشخيات بارزة في نظام السيسي، وهنا السؤال الأهم، لماذا هذا الحزب؟ ولماذا الآن؟ وماذا سيعالج؟ وهل حقا هذا حزب نشأ بقرار شعبي أو نخبوي أم أنه قرار سلطة أرادت معالجة المشهد السياسي ببعض القرارات التي باتت مستهلكة؟
وبينما فشل حزب مستقبل وطن، الذي ربما نسى البعض اسمه، وهو حزب الأغلبية، لم تتوقف السلطة في مصر عن السلوك ذاته في إنشاء أحزاب مصطنعة، ليست حتى بقيمة الحزب الوطني أيام الرئيس الأسبق مبارك، ولكن بصيغة أكثر استبدادا وتدل بشكل فج على انتهاء الحياة السياسية في مصر.
وهنا ربما يتساءل البعض أين مخرجات الحوار الوطني، والذي كان رئيسه ضياء رشوان أحد الحاضرين في الاجتماعات التأسيسية للحزب الجديد، فهل هذا ما أنتجه الحوار في مصر؟ أم أن هذه هي النهاية الطبيعية للحرية التي تصنعها السلطة؟
يبدو أن الحرية لا تُصنع في مصانع السلطة، ويجب أن يكون المجال السياسي في مصر أوسع من ذلك بما يليق بتاريخ وعراقة مصر، وبما يجنب الدولة الكثير من السيناريوهات السيئة التي لا يتنماها الجميع، وليس فقط القائمين على السلطة في مصر.
إن التغيير الذي طال دولا كثيرة في العالم في العام 2024، والذي كان من أكثر الأعوام شهادة على تغييرات كبرى، يجب أن يغير سلوك السلطة في مصر، وبدلا من العمل على استدامة الحكم بأي ثمن عليها العمل على التمهيد لتداول السلطة، والتي سيتم تداولها سواء استعد لها القائمون على الحكم في مصر أم لا، ولكن ليس من الدهاء في شيء أن يقف الجميع ينتظر مفاجئات القدر التي ربما لا تكون في صالحنا جميعا.
الخاتمة:
مع نهاية هذا العام الحافل بالأحداث، يتضح أن العالم يشهد تحولات عميقة تتطلب استعداداً مستمراً للتكيف معها. لمصر والمنطقة العربية فرصة للاستفادة من هذه الدروس، من خلال تعزيز الديمقراطية، وتطوير الاستراتيجيات الاقتصادية، والاستثمار في التكنولوجيا، مع التركيز على الاستقرار الإقليمي والدبلوماسية النشطة. إن بناء مستقبل مستدام يتطلب رؤية واضحة، وسياسات مرنة، ومشاركة مجتمعية فعالة تواكب تطلعات الشعوب وتحديات العصر.
ـــــــــــــــــ
حصاد العام 2024: مزيج من التغيير والتحولات