منظمة مجموعات التحفيز

خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا.. وسلامة الانتقال الديمقراطي

مقالات اخرى

خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا.. وسلامة الانتقال الديمقراطي

خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا.. وسلامة الانتقال الديمقراطي

 

خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا.. وسلامة الانتقال الديمقراطي

إعداد الباحث: محمد عطا – منظمة مجموعات التحفيز

 

شهدت بوتسوانا، الدولة الواقعة جنوب القارة الإفريقية، نقطة تحوّل تاريخية في نوفمبر الماضي (2024)، حيث أطاحت الانتخابات التشريعية بحزب “حركة بوتسوانا الديمقراطية” (BDP) بعد 60 عاماً من الحكم المتواصل منذ استقلال البلاد عن بريطانيا في عام 1966.

وعلى عكس ما هو سائد في دول إفريقية كثيرة، عكست هذه الانتخابات مشهدا ديمقراطيا بدرجة كبيرة، ففي أول تصريح من الرئيس المنتهية ولايته قال  ماسيسي “على الرغم من رغبتي في البقاء رئيسًا لكم، فإنني أحترم إرادة الشعب، وأهنئ الرئيس المنتخب. سأتنحى جانبًا، وسأدعم الإدارة الجديدة”.

تصريحات ماسيسي حصلت على إشادات واسعة حيث توضح بشكل كبير مدى تقدم العملية الديمقراطية في الدولة الواقعة جنوب القارة الإفريقية.

 

تاريخ بوتسوانا ومسيرة الحزب الحاكم

حصلت بوتسوانا على استقلالها عن بريطانيا في عام 1966، وكانت آنذاك واحدة من أفقر دول العالم، حيث اعتمدت بشكل كبير على المساعدات الدولية. ولكن بفضل اكتشاف الألماس واعتماد سياسات اقتصادية رشيدة، تمكنت البلاد من تحقيق نمو اقتصادي كبير، حيث أصبحت ثاني أكبر منتج للألماس في العالم.

قاد حزب “حركة بوتسوانا الديمقراطية” (BDP) البلاد منذ الاستقلال، وارتبط اسمه بتحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي خلال العقود الأولى من حكمه.

 

وفي 1 مارس 1965 جرت أول انتخابات عامة، وفاز فيها حزب بوتسوانا الديمقراطي بالأغلبية البرلمانية، منفردًا دون تحالفات أو ائتلافات، ومِن ثَم احتفظ بمنصب بالرئاسة، وظل يفوز على نفس المنوال، في كل الانتخابات التي تلتها، ولكن مع مرور الوقت، فقد الحزب شعبيته بسبب اعتماد سياساته على قطاع واحد (الألماس) دون تنويع الاقتصاد، بالإضافة إلى ارتفاع البطالة وتفاقم التفاوت الاجتماعي.

وتُعد بوتسوانا من أقدم الديمقراطيات في إفريقيا وأكثرها استقرارًا، وقد وثَّقَت جُلّ التقارير أن الانتخابات في بوتسوانا، تنعقد منذ الاستقلال وحتى الآن بانتظام ودون انقطاع، وتجري بقَدْر كبير من الحرية والنزاهة والشفافية.

وتتميز بوتسوانا بعدد من الميزات:

  1. إرث الاستقرار السياسي: لم تشهد بوتسوانا أي انقلاب عسكري في تاريخها، وظلت الديمقراطية قائمة منذ الاستقلال.
  2. النظام البرلماني القوي: تعتمد بوتسوانا على نظام برلماني مستقر، حيث يُنتخب رئيس الدولة من قبل البرلمان بناءً على نتائج الانتخابات العامة.
  3. التعليم والوعي: تمتلك بوتسوانا نسبة تعليم مرتفعة مقارنة بدول القارة، مما ساعد في تعزيز الوعي الديمقراطي لدى الشعب.
  4. إرادة سياسية للتداول السلمي: قبول الحزب الحاكم بالهزيمة وتسليم السلطة بطريقة سلمية يعكس عمق الإيمان بالديمقراطية كآلية لإدارة البلاد.

 

 أسباب خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا

رغم أن التوقعات أشارت إلى احتمال خسارة حزب “حركة بوتسوانا الديمقراطية” (BDP)، فحجم الهزيمة كان غير متوقع. فقد خسر الحزب 34 مقعدًا، ليحصل على أربعة مقاعد فقط، بعد أن ظل في السلطة لمدة 59 عامًا منفردًا ودون تحالفات. هذه النتيجة التاريخية تعكس وجود عوامل قوية أثرت في شعبية الحزب وأدائه، مع تغييرات كبيرة في خطاب المعارضة وتنظيمها.

الأزمة الاقتصادية كانت العامل الأبرز في هذه الهزيمة. تفاقمت المشكلات الاقتصادية بشكل ملحوظ تحت قيادة الرئيس المنتهية ولايته موكجويتسي ماسيسي، وشملت ارتفاع الديون الخارجية، وزيادة معدلات البطالة، وتدهور الأجور، إلى جانب التضخم ونقص السلع الأساسية مثل الأدوية. كما أثرت تأخيرات المدفوعات الحكومية لرجال الأعمال سلبًا في سمعة الحزب الحاكم.

من جهة أخرى، لعبت شبهات الفساد دورًا كبيرًا في فقدان ثقة الناخبين، خاصة بعد استثمار الحكومة 65 مليون دولار في شركة ناشئة لتجارة الألماس بلا سجل تجاري واضح. وأعلن الحزب لاحقًا نيته التحقيق في هذه القضية، في محاولة لاستعادة مصداقيته.

الانقسامات الداخلية في الحزب الحاكم أضعفت موقفه بشكل أكبر. الصراع بين الرئيس “ماسيسي” وسلفه “إيان خاما”، الذي ينتمي إلى أكبر قبائل البلاد، أدى إلى انشقاقات داخل الحزب. اضطر “خاما” إلى اللجوء المنفى بعد إصدار مذكرة اعتقال بحقه، مما دفع العديد من أنصاره إلى التصويت لصالح المعارضة.

 

المعارضة وتنظيمها وبرامجها الإصلاحية

المعارضة بقيادة دوما بوكو استغلت المشهد العام لإعادة تنظيم صفوفها، بينما ساهم تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في جعل برامجها الإصلاحية أكثر جذبًا للناخبين خاصة الشباب.

ركز “بوكو” على قضايا رئيسية مثل خلق فرص العمل، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإصلاح النظام الصحي، والاستثمار في التعليم.

التحالف الذي قادته المعارضة “مظلة التغيير الديمقراطي”، تمكن من توحيد الجهود وإطلاق حملة قوية استهدفت تلبية تطلعات الناخبين الذين أصابهم الإحباط من سياسات الحزب الحاكم.

وقد سمح فوز المعارضة وتحقيقها الأغلبية البرلمانية بتشكيل حكومة ائتلافية قادرة على العمل بسلاسة دون الحاجة إلى دعم من خارج التحالف. هذه النتيجة اللافتة أظهرت أن تغيير السلطة يمكن أن يتم بطرق سلمية وديمقراطية، وهو درس يعكس مدى نضج العملية الديمقراطية في بوتسوانا.

 

التغيير في سياق إفريقي

هذه الانتخابات ليست حدثاً معزولاً، بل جزء من موجة التغيير التي تشهدها القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، وضمن رغبة متنامية لدى الشعوب الإفريقية في التخلص من الأحزاب الحاكمة التي استمرت في حكمها منذ الاستعمار، واستمرت في الحكم لفترات طويلة دون تحقيق التنمية المرجوة.

ويعزز ذلك فقدان بعض الأحزاب الراسخة لأمد طويل في الحكم لسلطتها، أو لأغلبيتها في البرلمان في انتخابات ديمقراطية، وهو ما حدَث مؤخرًا مع حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي”، الذي حكم جنوب إفريقيا لثلاثين عامًا، ثم فقد أغلبيته البرلمانية، لكنّ خسارته لم تكن كبيرة فاحتفظ بمنصب الرئاسة، بينما خسارة “حزب بوتسوانا الديمقراطي” Botswana Democratic Party” لأغلبيته البرلمانية، كانت كبيرة لدرجة أفقدته منصب الرئاسة أيضًا.

وخلال السنوات السابقة، خرجت مجموعات عسكرية في النيجر ومالي وغينيا، وأطاحت بالأنظمة التي اعتُبرت امتداداً لنفوذ المستعمرين السابقين، خاصة فرنسا والغرب.

وعلى الرغم من كون الحكومات الجديدة في غرب إفريقيا ليست ديمقراطية هي الأخرى، فموجة التغيير وإرادة التخلص من التبعية للمستعمر أثّر إيجابيا في الشعوب، حتى لو لم تكن الحكومات على نفس القدر من إرادة “الديمقراطية”.

وفي تقرير حديث صادر عن شبكة “Afrobarometer” البحثية التي تتخذ من غانا مقرا لها، وتغطي أبحاثها 38 دولة إفريقية، ذكر أن الدعم الشعبي للديمقراطية في إفريقيا لا يزال قويا حيث يفضل 66% من الأفارقة الديمقراطية على أي نظام آخر كما يرفض 80% حكم “الرجل الواحد” ويدعمون الحكم المؤسسي بدلا عنه.

 

خاتمة

وأخيرا يمكننا القول إن تجربة بوتسوانا تقدم درسًا مهمًا في التداول السلمي للسلطة. رغم العقود الطويلة التي قضاها الحزب الحاكم في السلطة، تم انتقال الحكم إلى المعارضة بطريقة سلمية ومنظمة. هذه النتيجة لم تكن لتتحقق لولا النضج السياسي، ووعي الناخبين، وقوة المؤسسات الديمقراطية في البلاد.

من جانب آخر، تسلط تجربة بوتسوانا الضوء على أهمية استجابة الأحزاب السياسية لتطلعات شعوبها، حيث يمكن أن يؤدي الجمود السياسي والاقتصادي إلى الإطاحة بأعرق الأحزاب. بوتسوانا اليوم تُثبت أن الديمقراطية ليست فقط صندوق اقتراع، بل منظومة قيم تحافظ على استقرار الدول وتحقق طموحات شعوبها.

تجربة بوتسوانا ليست مجرد انتخابات عادية، بل شهادة على قوة الديمقراطية عندما تكون مدعومة بمؤسسات قوية ووعي شعبي. هذه التجربة تدعو الدول الإفريقية الأخرى، بل والعالم بأسره، إلى التفكير في كيفية تعزيز أنظمتها السياسية للديمقراطية لتحقيق الاستقرار والتغيير السلمي. فهل تكون بوتسوانا نموذجاً يحتذى به في قارة تتوق إلى العدالة والديمقراطية؟ 

 

خسارة الحزب الحاكم في بوتسوانا.. وسلامة الانتقال الديمقراطي

الوسوم :
شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *