قوة الحركات الطلابية: كيف أشعل طلاب بنجلاديش شرارة التغيير الوطني
إعداد: منظمة مجموعات التحفيز
مقدمة
تشكل استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، بعد عقود من القيادة، لحظة حاسمة في تاريخ بنجلاديش السياسي. إن رحيلها، الذي جاء نتيجة تظاهرات طلابية متنامية، يثبت قدرة الشباب على إحداث التغيير، وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، نجح شباب بنجلاديش في تنظيم حركة تطالب بالمساءلة والإصلاحات الديمقراطية؛ معربين عن استيائهم مما اعتبروه توجهًا متزايدًا نحو السلطوية والفساد الحكومي وتراجع الديمقراطية.
تسلط هذه الورقة الضوء على أهمية هذه الحركة من خلال خمس زوايا رئيسة:
الإرث التاريخي للحركات الطلابية في بنجلاديش، دور الشباب في المطالبة بالمساءلة السياسية، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات الحديثة، تحديات الحركة ونجاحاتها، الآفاق والتأثيرات على مستقبل بنجلاديش السياسي.
تكشف هذه العوامل عن الدور الحيوي الذي تلعبه الحركات الطلابية في التأثير في المشهد السياسي المحلي والدولي.
1. السياق التاريخي: نضال متواصل للحركات الطلابية في بنجلاديش:
تاريخ بنجلاديش السياسي طالما كان متأثرًا بالحركات الطلابية، كان (حراك اللغة) عام 1952، الذي طالب فيه الطلاب بالاعتراف باللغة البنغالية، من الأمثلة الأولى على التعبئة الشبابية من أجل الهوية الوطنية والحقوق، وقد لعب الطلاب أيضًا دورًا حاسمًا في (حرب التحرير) عام 1971، مما رسخ مكانتهم بوصفهم مدافعين عن القيم الديمقراطية الأساسية للبلاد.
هذا التقليد من الحركات الطلابية لم ينته بعد استقلال البلاد، ففي عام 1990 كان الطلاب مرة أخرى في طليعة الاحتجاجات التي أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالحاكم العسكري حسين محمد إرشاد وإعادة الديمقراطية. وتضع هذه السوابق التاريخية الاحتجاجات الأخيرة ضمن مسار أطول للحركات الطلابية التي تعمل كقوة تصحيحية في أوقات القمع السياسي.
وتتميز الاحتجاجات الحديثة التي أدت إلى رحيل حسينة بأنها تجاوزت حدود الجامعات لتشمل المجتمع المدني، ونقابات العمال، والمجتمعات المهمشة. يُظهر ذلك نوعًا جديدًا من الحركات الطلابية أكثر تأثيرا وترابطًا من تلك التي شهدتها العقود الماضية.
2. دور الشباب في المساءلة السياسية:
يمثل الشباب دائما ضمير الأمم، ويظهر ذلك خصوصا في وقت الأزمات، حيث لا يخشون عواقب المطالبة بالمساءلة السياسية في مواجهة الفساد، خاصة عندما يغيب دور المؤسسات المناط بها إجراء تلك المسائلات.
‘‘رغم أن بنغلاديش لديها نظام برلماني وانتخابات دورية، فالأسباب التي دفعت إلى حدوث الحراك الطلابي وغيره من الاحتجاجات تتعلق بعدة عوامل: سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، وفي حين أن الجيش ليس مشاركًا بشكل مباشر في السياسة كما كان في الماضي، لكنّ المشكلات الهيكلية المستمرة في البلاد مثل: الفساد وسوء الإدارة والظلم الاجتماعي، تظل عوامل محفزة للاحتجاجات. وإليك الأسباب الرئيسة التي دفعت لحدوث الحراك في بنغلاديش‘‘
أشعلت الاحتجاجات الأخيرة نارها بعد ادعاءات بتزوير الانتخابات، وحملات القمع الحكومية ضد المعارضة، وتآكل المؤسسات الديمقراطية في ظل إدارة حسينة، رغم ولايتها الطويلة وإنجازاتها البارزة، أصبحت هذه الشكاوى غير قابلة للتجاهل.
كانت مطالب الطلاب بسيطة، لكنها عميقة: الشفافية، وإنهاء العنف السياسي، والإصلاح الانتخابي الحقيقي.
أصبحت احتجاجاتهم رمزًا لعدم الرضا الواسع عن النظام الذي يزداد انفصالاً عن الناس، وصار رفض الشباب للجمود السياسي والفساد يعكس مشاعر جيلٍ نشأ في فترة تتعرض فيها توقعات الحوكمة الديمقراطية للتقويض المستمر.
وقد زاد هذا الشعور بالإحباط في ظل السياق الاقتصادي، الذي رغم التقدم الكبير على مستوى الاقتصاد الكلي، ما زال يعاني فيه الكثير من الشباب من نقص فرص العمل وتضييق مساحة الحرية والتعبير السياسي.
لقد أصبحت الاحتجاجات أكبر من وصفها بتمرد سياسي؛ بل كانت صرخة اجتماعية ضد نظامٍ فشل في تلبية تطلعات جيل جديد من البنغاليين.
3. تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الحركات الطلابية:
ما يميز الاحتجاجات الطلابية في 2024 عن الحركات السابقة في تاريخ بنجلاديش، هو الاستخدام الاستراتيجي لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت منصات مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر فضاءً للشباب لتنظيم أنفسهم، ونشر رسالتهم، وتوثيق الاحتجاجات في الوقت الفعلي.
لقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي للشباب تجاوز وسائل الإعلام التقليدية الخاضعة لسيطرة الحكومة وضمان وصول مطالبهم إلى جمهور واسع داخل البلاد وخارجها.
لم تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تضخيم أصوات المحتجين فقط، بل كانت أيضًا أداة لتوثيق القمع الحكومي، فقد انتشرت صور ومقاطع فيديو للقمع البوليسي واعتقال القادة الطلابيين وتفريق الاحتجاجات بالعنف، مما أثار غضبًا محليًا ودوليًا وهو ما أدى إلى استجابة الحكومة، حيث لم يعد بالإمكان حصر رسالة الحراك في الدوائر السياسية المحلية.
إضافة إلى ذلك، سمحت الطبيعة اللامركزية لوسائل التواصل الاجتماعي بانتشار الاحتجاجات بسرعة في مختلف مناطق بنجلاديش، وعلى عكس الحركات السابقة التي كانت تقتصر غالبًا على المراكز الحضرية أو الجامعات، شارك في الاحتجاجات الحديثة شباب من خلفيات جغرافية واجتماعية واقتصادية متنوعة.
حوّلت وسائل التواصل الاجتماعي الصراع المحلي إلى صرخة وطنية، مما منح الطلاب النفوذ اللازم للحفاظ على الضغط على الحكومة.
4. تحديات الحركة الطلابية ونجاحاتها:
نجحت الاحتجاجات الطلابية في النهاية في الضغط على الشيخة حسينة للاستقالة، لكنّ هذا الإنجاز كان مليئًا بالتحديات.
كان أحد التحديات الرئيسة التي واجهتها الحركة، الحفاظ على الزخم في وجه القمع المتزايد، غالبًا ما واجه الطلاب العداء ليس فقط من القوات الحكومية فقط، لكن أيضًا من قطاعات من المجتمع التي رأت في احتجاجاتهم تهديدًا للاستقرار الوطني.
وعلى الرغم من هذه العقبات، تمثلت قوة الحركة في قدرتها على التكيف وتوسيع نطاقها من خلال بناء تحالفات مع مجموعات المجتمع المدني الأخرى، والتواصل مع الإحباطات العامة الأوسع حول الفساد والسلطوية.
يمكن أيضًا إرجاع نجاح الحركة -إلى حد كبير- إلى قيادتها اللامركزية، مما سمح لمجموعات مختلفة بالمشاركة دون خوف من الاستيلاء عليها من قبل الجهات السياسية التقليدية. هذا ضَمَن أن يُنظر إلى الاحتجاجات على أنها دعوة صادقة وجماهيرية للتغيير، بدلاً من صراع على السلطة تديره النخب السياسية المتنافسة.
5. التطلعات المستقبلية: الآثار على المشهد السياسي في بنجلاديش
التحدي الأكبر والأهم هو: هل يستطيع جيل الشباب في بنجلاديش تجاوز حالة الحماس والحراك إلى حالة ممارسة دور فعال في المشهد السياسي الداخلي على وجه ثابت بحيث تخرج الدولة من حالة الصراع الضيق على السلطة الذي استمر لسنوات دون مراعاة لمصالح الشعب، حينئذ يكون قد أدى هذا الحراك (الناجح) نتائجه على الوجه الصحيح.
والتحدي الآخر المهم يتعلق بالقضايا الجوهرية التي انطلق من أجلها الحراك الطلابي مثل: الفساد المتجذر، والعنف السياسي، والتراجع الديمقراطي، وما زال تحقيقها بعيد عن المنال.
لقد أعادت الحركة تشكيل المشهد السياسي بلا شك، وأجبرت كلًا من القادة الحاليين والمستقبليين على مواجهة مطالب جيل يرفض قبول الحكم السلطوي. ومع ذلك، يثير نجاح الحركة تساؤلات حاسمة حول مستقبل النشاط الشبابي في بنجلاديش ‘‘هل سيظل الطلاب قوة فعالة في السياسة الوطنية، أم سيقل تأثيرهم مع انحسار الأزمة الفورية؟ ‘‘
كما أن هذه الاحتجاجات وضعت سابقة للبلدان الأخرى التي تواجه ظروفًا سياسية مشابهة، حيث يمكن أن تصبح الحركات الشبابية قوة قوية للتغيير في سياق عالمي تتزايد فيه مظاهر التراجع الديمقراطي.
خاتمة
- شكل رحيل الشيخة حسينة، الذي أشعلته حركة طلابية، لحظة حاسمة في تاريخ بنجلاديش السياسي.
- لا تُظهر الاحتجاجات فقط قدرة الشباب على محاسبة القادة، بل تعكس أيضًا الاستياء المتزايد من الأنظمة التي تفشل في الوفاء بوعودها المتعلقة بمصالح الناس والديمقراطية.
- في بنجلاديش، كما في دول أخرى، تراكم الاستياء الشعبي بمرور الزمن نتيجة الفساد وتضييق الحريات، ليصل إلى نقطة انفجار مفاجئ.
- الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي ساعدت في نقل صورة ما يحدث إلى العالم الخارجي، حيث أسهم النشطاء في نشر انتهاكات حقوق الإنسان والاحتجاجات السلمية، مما أثار اهتمام بعض الجهات الدولية.
- يكمن نجاح الحركة في قدرتها على توحيد فئات المجتمع المختلفة، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومواجهة القمع بالصمود.
- مع دخول بنجلاديش مرحلة سياسية جديدة، ستظل تأثيرات هذه الاحتجاجات حاضرة، مقدمة دروسًا قيمة للحركات الوطنية والعالمية التي تسعى للإصلاح الديمقراطي.
قوة الحركات الطلابية: كيف أشعل طلاب بنجلاديش شرارة التغيير الوطني