منظمة مجموعات التحفيز

ما الرسائل التي يحملها سقوط بشار الأسد؟

مقالات اخرى

ما الرسائل التي يحملها سقوط بشار الأسد؟

ما الرسائل التي يحملها سقوط بشار الأسد؟

 

إعداد منظمة مجموعات التحفيز

 

بعد سنوات من التمسك بالسلطة واعتماد استراتيجيات القوة والتعنت، شهدت سوريا حدثًا تاريخيًا بسقوط نظام بشار الأسد بشكل مفاجئ على يد المعارضة المسلحة. هذا التحول المفاجئ في المشهد السياسي السوري يحمل دروسًا بالغة الأهمية ليس فقط للنظام نفسه، بل أيضًا للحكام العرب الذين يعتمدون على أدوات مشابهة لإحكام قبضتهم على السلطة. فكيف يمكن قراءة هذا الحدث من زاوية أوسع؟

 

 الرحيل المفاجئ وتداعياته

رحيل بشار الأسد جاء في وقت كان يعتقد فيه أنه استعاد موقعه على الساحة الإقليمية، خاصة مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ودعم العديد من الحكومات الإقليمية له. بالإضافة إلى مناشدة تركيا له في الفترة الأخيرة للجلوس على طاولة الحوار. بدا المشهد وكأن النظام استعاد عافيته، لكنّ سقوطه السريع على يد المعارضة المسلحة في أيام معدودة يعكس واقعًا مختلفًا؛ حيث استثمرت المعارضة حالة الاستياء الشعبي والغضب الكامن لإحداث تحول جذري؛ مُظهرةً أن الأنظمة التي تتجاهل شعوبها تسير نحو مصير محتوم.

 

هذا السقوط المفاجئ يعكس أن القمع وحده ليس أداة مستدامة للحكم، بل يحمل في طياته مخاطر الانفجار الشعبي الذي قد يأتي دون سابق إنذار.

 

وهم القوة وضمان البقاء

العديد من الأنظمة العربية تُبقي نفسها على قيد الحياة عبر الاعتماد على الجيش والأجهزة الأمنية بوصفها أدوات للسيطرة؛ لكنّ هذه الأدوات -مهما بدت قوية- لا تكفي لمواجهة غضب شعبي متراكم. التجربة السورية تؤكد أن الاعتماد المفرط على القوة العسكرية والأمنية قد يُثبت هشاشته في لحظات الأزمات الكبرى. في المقابل، فإن الأنظمة التي تؤسس شرعيتها على رضا شعوبها تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات.

 

 الإصلاح السياسي خيار استراتيجي

تشير التجارب السياسية المعاصرة إلى أن الإصلاح السياسي ليس مجرد خيار إضافي، بل ضرورة وجودية للأنظمة التي تريد الاستمرار. الحكام الذين يعتقدون أن الوقت في صالحهم أو أن الشعوب ستظل صامتة مخطئون. الإصلاح الذي يتضمن فصلا بين السلطات، وأنظمة للمساءلة والمحاسبة والشفافية، وتعزيز حرية الإعلام، وإطلاق العنان للعمل الحزبي، وضمان استقلالية القضاء، هو السبيل الوحيد لضمان استقرار حقيقي ومستدام.

 

هنا تأتي أهمية التحرك المبكر قبل أن تفرض الأزمات نفسها. الأنظمة التي اختارت الإصلاح من موقع القوة، يمكنها تحقيق تقدم ملحوظ رغم التحديات. لكنّ الأنظمة التي تتأخر في الاستجابة لمطالب شعوبها، مثل ليبيا واليمن، تواجه سيناريوهات معقدة ومؤلمة.

 

استقرار وهمي أم غضب كامن؟

النقطة الجوهرية التي يُبرزها سقوط الأسد هي أن الاستقرار الذي تتباهى به بعض الأنظمة المستبدة ليس إلا غطاءً هشًا. فمهما حاولت الأنظمة قمع شعوبها، فإن الغضب الشعبي يستمر في التراكم. الشعوب العربية رغم ما عانته من استبداد، تُثبت مرة تلو الأخرى أنها لا تستسلم. لحظات الانفجار تأتي عندما تتاح الفرصة المناسبة، وهذا ما حدث في سوريا حيث انتقلت المعارضة من حالة الترقب إلى حالة الحسم بمجرد توفر الظروف الملائمة.

 

 رسالة لدول الربيع العربي

سقوط الأسد يُوجه رسالة للعالم عامة ولدول الربيع العربي خاصة التي شهدت محاولات لإعادة تثبيت الأنظمة القديمة عبر الثورات المضادة. دول مثل مصر واليمن وليبيا تواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا حول مدى قدرتها على تحقيق تطلعات شعوبها. التجربة السورية تُظهر أن محاولات قمع الثورات أو إجهاضها لا تؤدي إلا إلى تأجيل التغيير وليس منعه. المعارضة المسلحة في سوريا لم تكن لتنجح لولا أنها حملت طموحات شعبية حقيقية ومطالب عادلة.

 

 

إلى النخب الثقافية والإعلام

إن الرسالة التي يحملها هذا السقوط المروع لنظام بشار الأسد إلى النخب السياسية والثقافية والإعلام في دولنا مهمة وخطيرة، فممارسة بعض من هذه النخب دور خداع الشعوب دور لا يمكن أن يُغتفر، كما أن الدفاع عن الأنظمة المستبدة دورٌ لا يليق بالنخب الوطنية، بل دورهم الحقيقي في محاولات الإصلاح وإن اختلفت الرؤى لكن بالتمركز حول الوطن لا الحزب الحاكم.

 

إن النخب منوط بها أن تكون صادقة مع شعوبها وأن تعمل على حماية حق الآخرين في الخلاف معهم، وكان من أكبر الأخطاء التي وقعت بها النخبة المصرية بعد 2013، أنها ظنت أن قمع فصيل سياسي بعينه يمكن أن يفسح لهم المجال وقد ثبت خطأ ذلك بشكل كبير.

 

والدور الأهم من ذلك، هو دور الاستدراك ومحاولات الإصلاح، فكل الدول التي اندلع بها ثورات الربيع العربي تحتاج إلى نخب تدرك اللحظة وتتعامل بمسؤولية معها، فإن لم تتوفر الحكومات الراشدة التي تدرك خطورة اللحظة وتصر على المعالجات الأمنية، فعلى الأقل تتوفر النخب التي يمكن أن يثق بها الشعب للخروج من المأزق الذي صار إليه بسبب هذا التعنت وانغلاق المشهد السياسي.

 

ومن المعلوم أن العامل الأهم في ديمومة الاستقرار ليس قوة الأمن بقدر ما هو الرضا المجتمعي والمشاركة في الحياة السياسية، وربما يجب أن تعي مصر هذا الدرس فما تطلقه الحكومة يوما بعد الآخر من مشروعات تنموية لا يمكن أن يجد سبيله إلا في ظل بيئة آمنة تسع المصريين جميعا.

وأخيرا يخبرنا سقوط بشار الأسد بأن الشعوب العربية متصلة وأن محاولات البعض حصر قضية كل دولة على أنها قضية منفردة محاولات فاشلة، فما قامت به المقاومة في غزة في السابع من أكتوبر وصل صداه سريعا إلى دمشق وربما يصل عواصم أخرى إذا لم تستوعب هذا الدرس.

 

نحو رؤية شاملة للإصلاح

ما تحتاجه الأنظمة العربية اليوم هو رؤية شاملة للإصلاح السياسي والاجتماعي. هذه الرؤية يجب أن تركز على بناء أنظمة قائمة على الشفافية والمساءلة، وإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع. الخطوات الأولى تشمل تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار، وضمان حقوق الإنسان، وإطلاق حوار وطني يشمل جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.

 

استنتاجات وتوصيات

  • أهمية الإصلاح الاستباقي: الأنظمة التي تتحرك نحو الإصلاح وهي في موقع قوة تكون قادرة على إدارة التغيير بسلاسة، بدلاً من أن تواجهه تحت ضغوط الثورات.
  • الشرعية الشعبية أساس الاستقرار: الاعتماد على القوة العسكرية وحدها ليس كافيًا لضمان البقاء، بل يجب أن تُبنى الشرعية على رضا الشعوب.
  • التعلم من تجارب الآخرين: الدول التي استفادت من تجارب سقوط الأنظمة القمعية استطاعت تحقيق تقدم ملموس، في حين أن الأنظمة التي تجاهلت هذه الدروس واجهت مصيرًا مشابهًا.

 

خاتمة

سقوط بشار الأسد ليس مجرد حدث سياسي عابر، بل مؤشر على أن الشعوب العربية -مهما طال أمد استبداد الأنظمة- تنتظر لحظة التغيير. الحكام العرب اليوم أمام مفترق طرق: إما السير في طريق الإصلاح طوعًا، أو انتظار اللحظة التي قد يفرض فيها الشعب التغيير بالقوة. التاريخ لا يرحم، ومن لا يتعلم من دروسه يسقط ضحية عناده.

 

ما الرسائل التي يحملها سقوط بشار الأسد؟

 

الوسوم :
شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *