منظمة مجموعات التحفيز

مخاطر الاستبداد: إعاقة التنمية وجلب التخلف وتضييع الفرص

مقالات اخرى

مخاطر الاستبداد إعاقة التنمية وجلب التخلف وتضييع الفرص

بقلم أ. د. سمير عبد العزيز الوسيمي

أكاديمي واستشاري الحوكمة والتطوير
المؤسسي

 

مقدمة

لقد ثبت تاريخياً أن الاستبداد، الذي هو
شكل من أشكال الحكم يتميز بالسلطة المطلقة التي تحتفظ بها سلطة واحدة، يضر بتقدم
الأمم وازدهارها. أحاول من خلال هذا المقال أن نستكشف الآثار الضارة للاستبداد على
خطط التنمية، والتخلف على المستوى الوطني، والفرص الضائعة، والقدرة على مواجهة
التهديدات والتحديات. وبالتركيز على تجارب المنطقة العربية، وخاصة دول مثل مصر
وسوريا وليبيا والعراق وغيرهم، سنسلط الضوء على كيفية ترسيخ الاستبداد لنظام حكم
سيئ مليء بالفساد، وقمع الحريات العامة، وإهمال التنمية الحقيقية، وخنق الإبداع
والاحتراف.

 

تأثير الاستبداد على التنمية

إن خطط التنمية ضرورية لنمو الأمة
اقتصاديًا واجتماعيًا. ومع ذلك، في ظل الحكم الاستبدادي، غالبًا ما يتم التلاعب
بهذه الخطط أو تهميشها لخدمة مصالح النخبة الحاكمة. وكثيراً ما يتم استنزاف
الموارد الاقتصادية التي ينبغي استثمارها في البنية التحتية والتعليم والرعاية
الصحية من خلال الفساد، مما يجعل المواطنين عرضة دائماً للمعاناة من عدم كفاية
الخدمات وتدهور جودة المعيشة والحياة.

 

تعطي الحكومات الاستبدادية الأولوية
لسلطتها وثرواتها على حساب رفاهية مواطنيها، مما يؤدي إلى الافتقار إلى الشفافية
والمساءلة. وهذا النقص في الرقابة يخنق النمو الاقتصادي ويعوق تحقيق أهداف التنمية
المستدامة.

 

تراجع وطني وفرص ضائعة

فالاستبداد يؤدي حتماً إلى تراجع الدول
وتخلفها، سواء على المستوى الداخلي أو على الساحة العالمية. كما إن قمع المعارضين
وخنق المعارضة السياسية يخلق بيئة يتم فيها قتل الابتكار والإبداع وتحقيق أي تقدم،
وغالبًا ما يهرب المثقفون والمبدعون والمهنيون من الأنظمة القمعية، تاركين وراءهم
هجرة العقول المبدعة الأمر الذي يعيق عملية التنمية بشكل أكبر.

 

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تنخرط
الحكومات الاستبدادية في سياسات خارجية عدوانية تعزل الأمة عن المجتمع الدولي،
وتكون تلك الأمم عُرضة أكثر للعقوبات والعزلة الدبلوماسية والذين يخلفان عواقب
اقتصادية وخيمة، مما يزيد من عرقلة آفاق التنمية في أي بلد.

 

 

 

عدم القدرة على مواجهة التهديدات
والتحديات

إن هوس النظام الاستبدادي بالحفاظ على السلطة يمكن أن يؤدي إلى عدم
القدرة على معالجة التهديدات والتحديات الملحة بشكل فعال. إضافة إلى ذلك فإنه قد
يتم التقليل من أهمية قضايا مثل الأزمات الاقتصادية والكوارث البيئية وحالات
الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة أو تجاهلها، مما يؤدي إلى تفاقم تأثيرها على
السكان.

 

علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي قمع
الأصوات المعارضة إلى تأثير غرفة الصدى، حيث ينقطع صناع القرار عن المعلومات
الهامة ووجهات النظر البديلة. وقد يكون لذلك عواقب وخيمة عند مواجهة القضايا
المعقدة التي تتطلب مدخلات وخبرات متنوعة.

 

نظام حكم الاستبداد: الفساد والقمع

غالباً ما تعتمد الحكومات الاستبدادية
على الفساد للحفاظ على قوتها، وهنا تتفشى الرشاوى والاختلاس والمحسوبية مما يحول
الأموال بعيدا عن الخدمات العامة ومشاريع التنمية. وهذا الفساد يؤدي إلى تآكل
الثقة في المؤسسات الحكومية ويثبط الاستثمار الأجنبي.

 

إن قمع الحريات العامة، بما في ذلك حرية
التعبير والتجمع والصحافة، هو السمة المميزة للاستبداد. وهذا يخلق مناخًا من الخوف
حيث يتردد المواطنون في التعبير عن مخاوفهم أو الانخراط في الخطاب السياسي،
وبالتالي فإن عدم وجود حوار ونقاش مفتوح يعيق التقدم والابتكار.

 

إهمال التنمية الحقيقية

وقد يتحدث الزعماء المستبدون عن خطط
التنمية، ولكن تركيزهم على المكاسب قصيرة الأمد يؤدي غالباً إلى إهمال التنمية
الحقيقية المستدامة. ولذلك تجد أنه قد يتم تنفيذ مشاريع البنية التحتية لتحقيق
مكاسب سياسية بدلاً من تحقيق منفعة طويلة المدى للأوطان والمواطنين، مما يؤدي إلى
أعمال إنشائية رديئة وإهدار للموارد كما نرى في بعض البلدان.

 

وأود التأكيد هنا على أن غياب مجتمع
مدني قوي ومؤسسات مستقلة يعني أن هناك القليل من الضوابط على تصرفات الحكومة.
ويتيح هذا الافتقار إلى المساءلة للقادة اتباع سياسات تضر بمستقبل البلاد.

 

فقدان القيادة والتأثير

وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي الاستبداد
إلى فقدان قيادة الأمة ونفوذها في محيطها وعلى الساحة العالمية. ومع تقدم الدول
الأخرى اقتصاديا وسياسيا وتقنيا، فإن الدولة الاستبدادية تعاني من الركود أو
التراجع، وتصبح محاولات الإنقاذ من هذا الانحدار صعبة على نحو متزايد وبخاصة مع فقدان
وضياع الفرص.

 

 

 

بعض الحلول العلمية لمواجهة الاستبداد

إن التصدي لمخاطر الاستبداد يتطلب
مقاربة متعددة الأوجه:

 

الحوكمة الرشيدة: يجب الدفع الدائم باتجاه إنشاء نظم حوكمة رشيدة في تلك البلدان التي
تعاني من الاستبداد، وذلك بغرض مقاومة هذا الاستبداد وما ينتج عنه من فساد، وغياب
للرقابة والمساءلة والشفافية، وتغييب مبادئ الحوكمة الأخرى مثل النزاهة، والكفاءة
والفعالية، والرؤية الاستراتيجية، ومنح السلطة عبر التداول السلمي، وسيادة
القانون، وغيرهم من المفاهيم التي من شأنها النهوض بالأمم بينما يغيبها الاستبداد
عبر بناء حوكمة سيئة غير رشيدة تخدم مصالحه لا تخدم الوطن والمواطن.

 

تعزيز الديمقراطية: تشجيع إنشاء المؤسسات والعمليات الديمقراطية التي تضمن المساءلة
والشفافية وحماية حقوق الإنسان.

 

المشاركة الدولية: يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دوراً حيوياً من خلال فرض العقوبات على
الأنظمة الاستبدادية، ودعم منظمات المجتمع المدني، وتقديم المساعدات الإنسانية
للسكان المتضررين.

 

التثقيف والتوعية: إن تعزيز التثقيف المدني والوعي بمخاطر الاستبداد يستطيع أن يمكّن
المواطنين من المطالبة بالتغيير ومحاسبة القادة.

 

الحلول الدبلوماسية: ينبغي بذل الجهود الدبلوماسية لتسهيل الحوار والانتقال السلمي
للسلطة في الأنظمة الاستبدادية.

 

خاتمة

إن أخطار الاستبداد متعددة، تؤثر على
خطط التنمية، وتسبب التخلف الوطني، وتضيع الفرص، وتُفقد القدرة على مواجهة
التهديدات والتحديات. ويتبين لنا من تجارب بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا
وليبيا والعراق وغيرهم، أن الاستبداد يديم الفساد، ويقمع الحريات، ويهمل التنمية
الحقيقية، ويخنق الإبداع والمهنية. كما أنه ومن خلال تنفيذ الحلول العلمية وتعزيز
التعاون الدولي، يمكن للمجتمعات أن تعمل على التحرر من أغلال الطغيان وبناء مستقبل
أكثر إشراقا يقوم على الديمقراطية، والحرية، والعدل، والعدالة، والتنمية
المستدامة.

 

بعض المصادر والمراجع:

 

1. “مؤشر الطغيان: إطار لتحليل
وتقييم الأنظمة السياسية العالمية” بقلم روبرت أ. دال (2007).

يقدم هذا الكتاب إطارًا لفهم الأشكال
المختلفة للاستبداد وتأثيرها على الحكم.

 

2. “التنمية باعتبارها حرية” بقلم
أمارتيا سين (1999).

يستكشف عمل سين العلاقة بين التنمية
والحريات السياسية، ويلقي الضوء على أهمية الحريات في تحقيق أهداف التنمية.

3. “الحالة العالمية للديمقراطية”
من إعداد المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (
IDEA).

تقدم تقارير وأبحاث IDEA رؤى قيمة حول حالة
الديمقراطية والطغيان في مختلف البلدان حول العالم.

 

4. “مؤشر مدركات الفساد” من منظمة
الشفافية الدولية.

يصنف هذا المؤشر السنوي البلدان على
أساس مستويات الفساد الملموسة، ويسلط الضوء على العلاقة بين الاستبداد والفساد.

 

5. تقرير “الحرية في العالم”
لمؤسسة فريدوم هاوس.

تقوم منظمة فريدوم هاوس بتقييم حالة
الحقوق السياسية والحريات المدنية في دول العالم، وتقدم بيانات قيمة عن الحرية
والاستبداد.

 

6. قدمت التقارير والمقالات الصادرة عن
مؤسسات إخبارية محترمة مثل نيويورك تايمز، وبي بي سي، والجزيرة أمثلة واقعية
ودراسات حالة عن تأثير الاستبداد في بلدان مختلفة، وتمت الاستفادة من بعضهم عند
كتابة المقال أعلاه.

 

7. قدمت الأوراق والدراسات الأكاديمية من
الجامعات والمؤسسات البحثية المتخصصة في العلوم السياسية والحكم والعلاقات الدولية
تحليلا متعمقا لجوانب محددة من الاستبداد وعواقبه، وكانت مفيدة في كتابة هذا
المقال.

الوسوم :
شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *